وأما قول ابن عمر : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء فهو حض منه على أن المؤمن يستعد أبدا للموت والموت يستعد له بالعمل الصالح وحض على تقصير الأمل : أي لا تنتظر بأعمال الليل الصباح بل بادر بالعمل وكذلك إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وتؤخر أعمال الصباح إلى الليل قوله ( وخذ من صحتك لمرضك ) حض على اغتنام صحته فيجتهد فيها خوفا من حلول مرض يمنعه من العمل وكذلك قوله ( ومن حياتك لموتك ) تنبيه على اغتنام أيام حياته لأن من مات انقطع عمله وفات أمله وعظمت حسرته على تفريطه وندمه وليعلم أنه سيأتي عليه زمان طويل وهو تحت التراب لا يستطيع عملا ولا يمكنه أن يذكر الله تعالى فيبادر في زمن سلامته فما أجمع هذا الحديث لمعاني الخير وأشرفه وقال بعضهم : قد ذم الله تعالى الأمل وطوله وقال )ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ( وقال علي رضي الله عنه : ارتجلت الدنيا مدبة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل وقال أنس رضي الله عنه : خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال : ( هذا الإنسان وهذا الأمل وهذا الأجل فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب ) وهو أجله المحيط به وهذا تنبيه على تقصير الأمل واستقصار الأجل خوف بغتته ومن غيب عنه أجله فهو جدير بتوقعه وانتظاره خشية هجومه عليه في حال غرة وغفلة فليرض المؤمن نفسه على استعمال ما نبه عليه ويجاهد أمله وهواه فإن الإنسان مجبول على الأمل قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : ( رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطا لي أنا وأمي فقال : ما هذا يا عبد الله ؟ فقلت : يا رسول الله قد وهى فنحن نصلحه فقال : الأمر أسرع من ذلك ) نسأل الله العظيم أن يلطف بنا وأن يزهدنا في الدنيا وأن يجعل رغبتنا فيما لديه وراحتنا يوم القيامة إنه جواد كريم غفور رحيم .
المصدر. كتاب شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد