ابراهيم عبدالعزيز ابراهيم مشرف منتدى المواضيع المنقولة
عدد المساهمات : 47 تاريخ التسجيل : 12/05/2010
| موضوع: قطـــــــــــــــــــــــــــــــوف الخميس أغسطس 12, 2010 9:43 pm | |
| الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
إننا في هذه السطور القليلة، ندعو أنفسنا وإخواننا في كل الأقطار والأمصار إلى إجابة نداء الواحد القهار، للإحسان إلى اليتامى بالليل والنهار، فإن الأمة المسلمة كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
ونحن في دعوتنا هذه نريد أن تنهض الأمة من كبوتها، ليحمل القوي فيها الضعيف، ويحمل الغني فيها الفقير، ويحمل العالم فيها الجاهل، وبذلك تتكامل سواعد الأمة، وترجع مرة أخرى خير أمة أُخرجت للناس.
قال صلى الله عليه وسلم: (كيف يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها وهو غير متعتع) -رواه أبو يعلى عن بريدة-.
فكيف يقدس الله أمة ضاعت فيها حقوق اليتامى الذين لا يجدون لها معينا إلا الله جل وعلا بعد أن حُرموا من أب رحيم يحنو عليهم، ويمسح دمعتهم، ويشبع جوعتهم؟!.
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (في كل ذات كبد حرّى أجر) -رواه أحمد عن ابن عمرو-، فإن لك أجر في كل لقمة أو شربة ماء تسوقها لحيوان أعجم، فكيف بمن يسوق لقمة إلى فم يتيم يتجرع مرارة اليُتم؟!.
بل لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (غُفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركى يلهث، كاد يقتله العطش، فنزعت خُفها فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغُفر لها بذلك) -أخرجه البخاري عن أبي هريرة-.
فكيف بمن يحمل في كفه شربة ماء لطفل يتيم؟!، فيا من أكرمك الله بنعمة المال، لا تبخل، وأقبل بمالك لتنقذ يتيما من مرارة الفقر والحرمان، ولا تحرم نفسك من أن يكون مالك قائدا لك إلى جنات الخلد، ورضوان الرحيم الرحمن، فإن (صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء) -رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد-. [قصة تملأ القلب نورا فيا إخواننا، هيا بنا نبذل جهدنا لإيصال الرحمة إلى الأيتام، فلعل الله أن ينفعنا بدعواتهم وشفاعتهم لنا يوم القيامة.
فلنُسرع الخُطا إلى هذا الخير، ولسان حال كل واحد منا (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) -طه:84-. [يُتم النبي صلى الله عليه وسلم كان تشريفا لكل يتيم إلى قيام الساعة
لقد اعتنى الإسلام بحق اليتيم منذ اللحظة الأولى للرسالة، بل لقد كان صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم يتيما، فكان يُتمه تشريفا في حق كل يتيم إلى قيام الساعة، فلقد قال له الحق جل وعلا: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) -الضحى:6-، أي ألم تكن يا محمد -صلى الله عليه وسلم- يتيما في صغرك فآواك الله إلى عمك أبي طالب، وضمك إليه؟، قال ابن كثير: وذلك أن أباه توفي وهو حملٌ في بطن أمه، ثم توفيت أمه وله من العمر ست سنين، ثم كان في كفالة جده عبد المطلب، إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره، حتى ابتعثه الله على رأس الأربعين، ثم أوصاه الحق جل وعلا قائلا له: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ) -الضحى:9-، أي كما كنت يتيما فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، أي لا تذله وتنهره وتُهنه، ولكن أحسِن إليه وتلطف به. قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرحيم -تفسير ابن كثير:4/524-. خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسَن إليه
قال جل وعلا: (فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي كَلاَّ بَلْ لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِمَ) -الفجر: 15-17-.
أي أن الله عز وجل يعطي المال لمن يحب، ولمن لا يحب، ويمنع المال أيضا عن هذا وذاك، ولكن المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين، إن كان غنيا بأن يشكر، وإن كان فقيرا بأن يصبر، (بَلْ لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِمَ): فيه أمر بإكرام اليتيم، ولذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: خير البيوت بيت فيه يتيم يُحسَن إليه، وشر البيوت بيت فيه يتيم يُساء إليه، وأحب عباد الله إلى الله تعالى من اصطنع صنعا إلى يتيم أو أرملة. [أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل بأن يحسنوا على اليتامى، ونحن أحق منهم بهذا الفضل
لقد أمر الله عز وجل بالإحسان على اليتيم، في كل زمان ومكان، بل وعلى مستوى كل الشعوب والأمم ...، بل لقد أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل بالإحسان على اليتامى، فقال جل وعلا: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) -البقرة:83-.
ونحن والله أحق بأن نقوم ونعمل بهذا الميثاق الأخلاقي العظيم الذي وضع دستوره الخالق جل وعلا. الإحسان إلى اليتيم مقترن بعبودية الله جل وعلا
وتأتي تلك الآية العظيمة التي تحض على الإحسان إلى اليتامى، بل وتقرن الإحسان بالعبودية لله جل وعلا ...، فيا له من تشريف ويا له من تكريم، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) -النساء:36-. لا يؤذي اليتيم إلا كل مكذب بالدين
قال تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) أي هل عرفت الذي يكذب بالجزاء والحساب في الآخرة؟، هل عرفت من هو وما هي أوصافه؟، إذا أردت أن تعرفه (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) أي فذلك هو الذي يدفع اليتيم دفعا عنيفا بجفوة وغلطة ويقهره ويظلمه ولا يعطيه حقه (وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) -الماعون:1-3-. [نبيان يقيمان جدارا ليتيمين، فأين من يتأسى بهما؟
في ظل تلك المرحلة المباركة التي صحب فيها نبي الله موسى عليه السلام الخضر عليه السلام، فكان من بين الأحداث التي ذُكرت أنهما قاما ببناء جدار ليتيمين في تلك المدينة، فلما سأله موسى عليه السلام عن سبب ذلك قال: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فيِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) -الكهف:82-، فإن كان أنبياء الله قد فعلوا هذا الخير في حق اليتامى، فأين من يتأسى بهم في بناء جدران اليتامى التي لا تجد من يقيمها؟!. من أراد أن يلين قلبه ويدرك حاجته، فليرحم اليتيم، وليمسح رأسه، وليطعمه من طعامه
روى أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال له صلى الله عليه وسلم: (أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟، ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك، وتدرك حاجتك) -رواه الطبراني عن أبي الدرداء-.
وفي رواية قال: (ادن اليتيم منك، وألطفه، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، ويدرك حاجتك) -رواه ابن عساكر عن أبي الدرداء-.
فيا من تشعر بقسوة قلبك، ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، وادنه منك، وألطفه، فسوف يلين قلبك، وتدرك حاجتك بإذن الله جل وعلا. [يا داود كن لليتيم كالأب الرحيم
روى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: يا داود، كن لليتيم كالأب الرحيم، وكن للأرملة كالزوج الشفيق، واعلم أنه كما تزرع كذا تحصد.
وقال داود عليه السلام في مناجاته: إلهي ما جزاء من أسند اليتيم والأرملة ابتغاء وجهك؟!، قال: جزاؤه أن أُظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي. كافل اليتيم في الجنة مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم
قال صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا -وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما-) -أخرجه البخاري وأحمد عن سهل بن سعد-.
وفي رواية: (أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة، والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) -رواه الطبراني عن عائشة ومسلم عن أبي هريرة-.
قال ابن حجر في الفتح: قال ابن بطال: حق على كل من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك ....
ثم استشهد الإمام ابن حجر بالحديث الذي رواه أبو يعلى عن أبي هريرة، وقال ابن حجر في الفتح وإسناده لا بأس له، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أول من يفتح باب الجنة، فإذا امرأة تبادرني، فأقول من أنت؟، فتقول أنا امرأة تأيمت على أيتام لي)، فقوله تبادرني: أي لتدخل معي أو تدخل في أثري، ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين: سرعة الدخول، وعلو المنزلة.
فيا له من شرف عظيم ...!. [لا يُطعم اليتيم إلا المخلصون الذين يرثون الجنة
قال تعالى في حق المخلصين: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، أي يطعمون الطعام ابتغاء وجه الله مع شهوتهم له وحاجتهم إليه (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)، فكان الجزاء لمن أطعم اليتيم (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) -الإنسان:8-12-.
فيا له من أجر عظيم ...!. [من يقتحم عقبة الشُحّ ليكون من أصحاب الميمنة؟
قال تعالى: (فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَة)، أي فهلا أنفق المؤمن ماله في اجتياز العقبة الكئود، وهذا مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان، لينال رضى الرحمن، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة فَكُّ رَقَبَة)، أي وما أعلمك يا محمد -صلى الله عليه وسلم- ما اقتحام العقبة؟، وفيه تعظيم لشأنها وتهويل، ثم فسرها تعالى بقوله (فَكُّ رَقَبَة)، أي هي عتق الرقبة في سبيل الله، وتخليص صاحبها من الأسر والرق، فمن أعتق رقبة كانت له فداء من النار، (أَوْ إِطْعَامٌ فيِ يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)، أي أو أن يطعم الفقير في يوم عصيب ذي مجاعة، قال الصاوي: وقيّد الإطعام بيوم المجاعة، لأن إخراج المال فيه أشد على النفس، (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة)، أي أطعم اليتيم الذي بينك وبينه قرابة، (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة) -البلد:11-18-، أي هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات الجليلة هم أصحاب الجنة الذين ياخذون كتبهم بأيمانهم -انظر صفوة التفاسير:3/562-. الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله
قال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار) -متفق عليه عن أبي هريرة-، فالأرملة التي توفي عنها زوجها، وترك لها أولادا يتامى قد تجرعوا غصص اليُتم منذ نعومة أظفارهم، فهم أحوج ما يكون إلى يد حانية تمتد لتمسح جراحاتهم من على صفحات قلوبهم منكسرة، ومن هذا المنطلق، حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب القلوب الرحيمة على أن يتسابقوا من أجل هؤلاء اليتامى، ومن أجل تلك الأم التي انكسر فؤادها بموت زوجها ...، فمن سعى عليها وعلى أولادها، فهو كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يقوم الليل ليناجي ربه، وهو كذلك كالذي يصوم النهار ....
فأين أصحاب العقول؟!، وأين المشمرون للفوز بهذا الأجر العظيم، وتلك المكانة السامية ...؟!.
ورُوي أنه كان هناك رجل قد نزل في بلد من بلاد العجم، وله زوجة وله منها بنات، وكانوا في سعة ونعمة، فمات الزوج وأصاب المرأة وبناتها بعده الفقر والقلة.
فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء، واتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد، أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة، ومضت تحتال لهم في القوت، فمرت بجمعين، جمع على رجل مسلم وشيخ البلد، وجمع على رجل مجوس وهو ضامن البلد، فبدأت بالمسلم وشرحت حالها له، وقالت: أنا امرأة علوية، ومعي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة، وأريد الليلة قوتهم، فقال لها: أقيمي عندي البينة أنك علوية شريفة، فقالت: أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني!، فمضت من عنده منكسرة القلب.
فجاءت إلى ذلك الرجل المجوسي، فشرحت له حالها، وأخبرته أن معها بنات أيتاما، وهي امرأة شريفة غريبة، وقصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم، فقام وأرسل بعض نسائه، وأتوا بها وبناتها إلى داره، فأطعمهن أطيب الطعام، وألبسهن أفخر اللباس، وباتوا عنده في نعمة وكرامة.
فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت، وقد عُقد اللواء على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا القصر من الزمرد الأخضر ...، شُرفاته من اللؤلؤ والياقوت، وفيه قباب اللؤلؤ والمرجان، فقال: يا رسول الله، لمن هذا القصر؟!، قال: لرجل مسلم موحد، فقال: يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة أنك علوية، فكذا أنت أقم عندي البينة أنك مسلم.
فانتبه الرجل حزينا على رده المرأة خائبة، ثم جعل يطوف بالبلد، ويسأل عنها حتى دُل عليها أنها عند المجوسي، فأرسل إليه، فأتاه فقال له: أريد منك المرأة الشريفة العلوية وبناتها، فقال: ما إلى هذا من سبيل وقد لحقني من بركاتهم ما لحقني، قال: خذ مني ألف دينار وسلمهن إلي، فقال: لا أفعل، فقال: لا بد منهن، فقال له: إن الذي تريده أنت أنا أحق به، والقصر الذي رأيته في منامك خُلق لي، أتدل علي بالإسلام، فوالله ما نمت البارحة أنا وأهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد العلوية، ورأيت مثل الذي رأيت في منامك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: العلوية وبناتها عندك؟، قلت: نعم يا رسول الله، قال: القصر لك ولأهل دارك، وأنت وأهل دارك من أهل الجنة، خلقك الله مؤمنا في الأزل.
فانصرف المسلم وبه من الحزن والكآبة ما لا يعلمه إلا الله.
فانظر رحمك الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة والأيتام، ما أعقب صاحبه من الكرامة في الدنيا -الكبائر للإمام الذهبي، تحقيق د.أسامة عبد العظيم:121-122-. يا من تأكلون أموال اليتامى ظلما إنما تأكلون في بطونكم نارا!
لقد رغّب الحق جل وعلا في الإحسان إلى اليتيم، وألطف عليه، وحذر تحذيرا شديدا من أكل أموال اليتامى، فقال جل وعلا: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا)، قال ابن كثير رحمه الله: كما تحب أن تُعامَل ذريتك من بعدك، فعامل الناس في ذرياتهم إذا وليتهم، ثم قال جل وعلا بعد تلك الوصية العظيمة: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فيِ بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) -النساء:9-10-، فيا له من وعيد شديد ...!.
بل لقد جاء الترهيب أيضا من أكل أموال اليتامى على لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (اجتنبوا السبع الموبقات -وذكر منها- أكل مال اليتيم) -متفق عليه عن أبي هريرة-.
قال ابن كثير: قال ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال: (قلنا يا رسول الله، ما رأيت ليلة أسري بك؟، قال: انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير، رجال كل رجل منهم له مشفر كمشفر البعير، وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم، ثم يُجاء بصخرة من نار فتقذف في فيّ أحدهم حتى يخرج من أسفله، لهم جؤار وصراخ، قلت يا جبريل من هؤلاء؟، قال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، إنما يأكلون في بطونهم نارا، وسيصلون سعيرا).
وقال السدي: يُبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه، يعرفه كل من رآه بآكل مال اليتيم.
وعن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يُبعث يوم القيامة القوم من قبورهم، تأجج أفواههم نارا، قيل يا رسول الله من هم؟، قال ألم تر أن الله قال (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا)) -رواه ابن أبي حاتم-.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُحرّج مال الضعيفين المرأة واليتيم)، أي أوصيكم باجتناب مالهما.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزلت (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا)، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء فيحسن له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم) -تفسير ابن كثير:1/432-.
بل تأمل لهذا الوعد الشديد، فقد قال الله عز وجل: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) -النساء:6-.
فوالله إنها لكلمة تتصدع منها الجبال، وتتفطر لها القلوب الحية المؤمنة ...، أي وكفى بالله محاسبا وشاهدا ورقيبا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام، وتسليمهم الأموال، هل هي كاملة موفرة أو منقوصة مبخوسة، مروج حسابها ومدلسا أموالها؟، الله تعالى عالم بذلك كله. -تفسير ابن كثير:1/43-.
فيا له من وعيد ...!، فإن الذي يراقبك وسيحاسبك هو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولذا قال صلى الله عليه وسلم موصيا أبا ذر رضي الله عنه: (يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تتأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم) -أخرجه مسلم وأبو داود عن أبي ذر-، وذلك لعظم تلك الأمانة وعظم السؤال عنها يوم القيامة.
ولكن لنا وقفة مع القائم على أموال اليتامى ليصلحها، وينميها، فإن الله جل وعلا قال مخاطبا له: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، فله أن يأكل من هذا المال على قدر حاجته غير مسرف، ولا مبذر، ولذا فقد روى أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا له: ليس لي مال ولي يتيم؟، فقال: (كلْ من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا ولا تقِ مالك بماله) -رواه الترمذي والنسائي عن ابن عمرو-.
فيا من تأكلون أموال اليتامى، توبوا إلى الله جل وعلا قبل أن تقفوا بين يديه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ...!.
ويا من تقوم بالوصاية على أموال اليتامى، اعلم أنك مؤتمن على تلك الأمانة العظيمة، فلا تفرط في هذا المال ولا تضعه إلا فيما يصلح أحوال اليتامى، وينمي أموالهم، واعلم بأن الدنيا لا تدوم ...!، (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ) -الانشقاق:6-.
واعلم بأن أبناءك قد يحرموا منك، آجلا أو عاجلا، ويصبحوا يتامى!، فهل ترضى لهم بكل ما تصنعه مع هؤلاء الأيتام؟!.
فيا أخي الحبيب، أعلنها توبة لله جل وعلا، وردّ الحقوق إلى أهلها قبل أن يكون يوما لا درهم فيه ولا دينار، وإنما يكون التعامل بالحسنات والسيئات، فيأتيك اليتيم يشكوك إلى الله ويقول يا رب هذا ظلمني وأخذ حقي، ويأتيك آخر ويقول هذا ضربني، ويأتيك ثالث ...، فتنظر يا مسكين إلى حسناتك وهي تذهب يمنة ويسرى، حتى لا تجد حسنة واحدة، فإياك يا أخي من الظلم، فإن دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ...، فما بالك إن كانت الدعوة من يتيم؟!.
واعلم بأن إخلاص النية لله تعينك على كل خير، فما عليك إلا أن تخلص النية لله في أن تبدأ صفحة جديدة لتكون عونا لليتامى، فتأخذ بأيديهم إلى بر الأمان لتكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ويا له من فوز عظيم ...!.
فهيا إلى شاطئ الطاعة، ودعك من بحر الذنوب. [اليتيم يأخذ بيدك إلى الجنة
أيها الأخ الحبيب ...، أيتها الأخت الفاضلة:
تعرفوا على اليتامى، واذهبوا إليهم، وقدموا لهم الطعام والشراب والكساء، فإن اليتامى لهم دولة يوم القيامة. فإن كان اليتيم مؤمنا ومن أهل الجنة، فإن الله جل وعلا عندما يأمر الملائكة بأن يأخذوه إلى الجنة، يقول لليتيم: اذهب فانظر في أرض المحشر، فمن أطعمك فيّ طعمة، أو كساك فيّ كسوة، أو سقاك فيّ شربة ماء، فخذ بيديه وأدخله الجنة!.
فيا لها من لحظة عندما تكون في كُرب يوم القيامة، في ذلك اليوم الذي يبلغ طوله خمسين ألف سنة ...!، والناس حُفاة عُراة غُرلاً، والشمس قد دنت فوق الرؤوس، والناس وقوف بلا طعام ولا شراب ولا ظل، وقد خاض أحدهم في عرقه حتى ألجمه إلجاما ...!، وجيء بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، يجرونها فتزفر زفرة تكاد تتفلت منهم، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا جث على ركبتيه وقال: يا رب سلّم ... سلّم ...!.
فبينما أنت في هذا الكرب، وفي تلك الشدة التي وصفها الله تعالى بقوله: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) -الحج:2-، وبقوله: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) -المزمل:17-.
تجد يتيما كنت قد قدمت له الطعام والشراب في الدنيا، فيأتيك ويقول لك ألست أنت الذي قدمت لي الطعام والشراب في يوم كذا وكذا؟!، فتقول نعم، فيأخذ بيديك، ويقول لك، فإن الله أمرني أن آخذ بيديك إلى جنته ومستقر رحمته.
فيا له من موقف يعجز المرء عن وصفه ...!.
إنها الفرحة التي لا تدانيها الدنيا بكل ما فيها من زخرف ومتاع. فلو أنك تملك الدنيا بأسرها، لافتديت بها من هول يوم المحشر.
فها أنت الآن قد أنعم الله عليك بالمال، فارحم يتامى المسلمين، فكن عونا لهم في الدنيا، يكن الله في عونك في الدنيا والآخرة ...!. اللهم آمين
وفي الختام، نسأل الله جل وعلا أن يجزي القائمين بالجمعيات الخيرية الشرعية، وغيرها من المؤسسات في كل مكان، على كفالة اليتامى خير الجزاء، وأن يجزل لهم العطاء على فتح الباب لهذا العمل الخيري، وأن يثقّل به موازين حسناتهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونسأل الله جل وعلا أن يجزي كل من كفل يتيما خير الجزاء، وأن يجعل عمله هذا في ميزان حسناته، وأن يحفظه في أولاده وذريته إلى يوم القيامة، وأن يعينه على المداومة على هذا العمل الخيري المبارك، وأن يثبت أقدامه على الخير، ويجعل هذا العمل نورا له في قبره وعلى الصراط، وقائدا له لدخول الجنة والقرب من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إنه ولي ذلك، القادر عليه، وصلى الله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك | |
|
abdulla abdulrahman مشرف منتدى الصحة والحياة
عدد المساهمات : 239 تاريخ التسجيل : 23/05/2010 العمر : 68
| موضوع: رد: قطـــــــــــــــــــــــــــــــوف الجمعة أغسطس 13, 2010 6:10 am | |
| قطفت لنا اجمل الزهرات ذات الشذا الفواح جزاك الله خيرا يا ابراهيم ونسأل الله ان نكون جميعا ممن يقطفون منها | |
|